أخبار وطنية الرأي الحر: هل يمكن لثور أن يبتلع أسدا؟
بقلم: محمد المنصف بن مراد
حتّى وإن كان للثور قرنان فانّه لم ولن يقدر على أن يبتلع أسدا.. فمهما كانت أفعال الحركات الدّينية والمتطرّفة والارهابيّة وجرائمها فإنّ تونس لن تكون ـ أبدا ـ لقمة سائغة لهذه الحركات المقنّعة بالدّين وذلك للأسباب التالية:
أولها انّ هذه الحركات سواء كانت مقنعة بالدّين أو متمرّسة في العنف والارهاب فهي دون دراية بتصريف شؤون البلاد، وهم في ذلك أشبه بسائق سيارة يريد الاقلاع بطائرة.. انّ فشلهم في تونس وفي مصر والسودان وليبيا أحسن دليل على انّ هذه الحركات المقنّعة بالدين تفتقر الى الحدّ الأدنى من الدراية بالحكم والسلطة وتصريف الشأن العام، وكلّ ما يكسبون هو ثقافة دينيّة سلبية ومتحجّرة وعنيفة وأحيانا ارهابيّة.. فما يهمّهم هو ارساء مجتمع «ديني» يتوافق وعقيدتهم الضيّقة، الخالية من رؤية حضارية استشرافية ترتكز على المعرفة وتتطلّع إلى النمو الشامل!
إنّ أكبر مشكل للإسلام الدّيني هو أنّه يفتح «أبوابا» متشدّدة كلها تؤدي للماضي لأنّ منطلقها هو العقيدة الجامدة التي لا علاقة لها بالمستقبل والمعرفة ومكتسبات الانسانيّة.. فهل لاحظتم كيف انّ هذه الحركات تلقب من درسوا الدّين المتشدّد بـ«العلماء» في حين انّ العلماء في الغرب هم علماء الفيزياء والذرة والطبّ والإعلاميّة والفضاء والفلاحة.. والمضحك المبكي أنّ المختصّين في الدين المتشدّد في قطيعة تامة مع الحضارة الانسانيّة والبحوث والاكتشافات والاختراعات وحقوق الانسان وخاصّة المرأة.. هم لا يواكبون الحداثة بدليل انّ حركة النهضة ترفض كلّ ما يتصل بالعهد البورقيبي وحتى الاحتفال بالاستقلال!
فالغرب والحداثة مشكلتان عويصتان على الحركة الدّينية لأنّ الفكر الغربي الديمقراطي يرفض تأثير رجال الدين في القرارات السياسية وتدخله في الحياة الفردية، وهو في ذلك يتعارض مع شمولية عقيدة الإخوان.. انّ أبواب المستقبل بالنسبة للأحزاب الدّينية تفتح على الماضي مع جرعة من المستقبل!
أما العنف والعلاقة بانتشاره والحرص على إحكام القبضة على مفاصل الدولة فهو مسؤولية ثابتة، وليس أدلّ على ذلك ما شاهدناه من تعنيف للإعلاميين والنّقابيين والنساء والمعارضين والرغبة في التحكّم في وزارتي الداخلية والعدل والدّفاع لنكتشف العلاقة المريبة للحركات السياسيّة الدّينية بهذه الوزارات التي سمحت «بتطبيع» العنف والاستحواذ على أهمّ المؤسّسات والإدارات وغضّ النظر عن ممارسات الميليشيات وعن مظاهرات الارهابيين واستدعاء دعاة ظلاميين أجانب وانفلات المساجد علما أنّ أكبر خطر هو تكوين خلايا حزينة نائمة مسلّحة ستقتل وتخرب على غرار ما حدث في مصر بعد عزل الرئيس مرسي..
إنّ الطبيعة العنيفة لهذه الحركات وجهلها بالقيم الكونية وقصر نظرها تمثل حواجز تاريخية ستدمّر كل مشروع حضاري ومستقبلي منفتح وإن غيرت هذه الحركات من خطابها قبل الانتخابات وادعت الديمقراطيّة! فمن سمح بانتشار العنف والارهاب في تونس على سبيل المثال؟ فحتى وان كان وجود هذه الحركات قانونيا فيجب مقارعتها بالحجّة والحوار والانتصار عليها عبر صناديق الاقتراع مع التذكير بالدور السلبي لحزبي المؤتمر والتكتّل اللذين سمحا باستشراء العنف وبصفة غير مباشرة بالارهاب.. والأدهى والأمرّ هو انّ حزب نداء تونس والأغلبيّة السّاحقة للأحزاب الديمقراطية لم توحّد صفوفها في جبهة انتخابيّة مثبتة غباء سياسيا خطيرا ونرجسية مفرطة وغياب روح المسؤولية!
وأمّا المعضلة التي لا تقلّ فداحة بالنسبة للأحزاب الدّينية فتتمثّل في انعدام قنوات الحوار وعدم احترام المبدعين والفنّانين والمثقّفين.. فالحركات الدّينية تعتقد انّ الثقافة منتوج يخدم «دينها» ومجتمعا «نائما» و«مقيّدا» لأنّ الأسئلة والابداع الحرّ يزعزعان عرش رجل الدّين ورجل السّياسة، ويكفي ان نتذكر ردّة فعل الترويكا وخاصّة النهضة عندما دعوا الى التظاهر ضدّ أعمال فنّية في العبدلية في المرسى لم تكن موجودة اصلا! إنّ الحركات الدّينية تريد لجم الفنّ والابداع رغم أنّ الأمر يختلف تماما بين أفغانستان وبلدان الخليج وتونس التي لها 3000 سنة من الحضارة والموروث التاريخي.. وما لم تعلن هذه الحركات رسميا احترامها الكلّي للفكر والفن والابداع فلن تنجح، ومادامت لاتتواصل مع المثقّفين ولا تستمتع لهم ولا تحترم منتوجهم فستنهزم روحيا وحضاريا.. وإنّي أنضح حمائم النهضة بأن يضغطوا على صقورها ـ إذا استطاعوا ـ حتى تتحول حركتهم من حزب ديني منضو تحت راية «الاسلام» العالمي إلى حزب تونسي يحترم الحريات ويجعل من الاسلام نقطة انطلاق بناء مجتمع عادل يضمن الحقوق ويجعل من الأخلاق الاسلاميّة المتسامحة ركيزة لنحت الهوية مع التفتّح تفتّحا كاملا على الانسانيّة.. لينسحب كل الصقور المساندين للعنف والفاشية الدّينية المقنّعة بالدّيمقراطية والمدمّرة لكلّ ما شيّد فوق أرض هذه البلاد التي لن تفقد الأمل رغم الجراح والآلام.. ثمّ إنّ هناك مجتمعا مدنيا قويا واتحاد شغل عتيدا لن يقدر على اركاعهم أيّ حزب!
ومهما كان حجم الاغتيالات والتفجيرات والظلم، لن يبتلع الثور الأسد...